نوف الموسى (دبي)

الجدلية التي تهديها القراءات الروائية، في صالون القراءة الشهرية بندوة الثقافة والعلوم في دبي، بالتعاون مع مؤسسة بحر الثقافة، لا تكتفي فقط، بإلقاء الضوء على الرواية نفسها، باعتبارها منتجاً أدبياً رفيعاً مسكوناً بسرد الوجدان الإنساني، ولكن هي أقرب أيضاً إلى دعوة استفزازية لاستنهاض مكنون التراكم الفكري والشعوري لدى الفرد. وأحياناً أخرى، إدانة مباشرة للذاكرة ودورها في تأجيج الألم واللذة، في كونهما يهديان حيزاً كبيراً من الفعل «الإقصائي» تحت بند الاستحقاق أو الأفضلية. وربما السؤال الذي توجهت به الكاتبة مريم سلطان، عضو مجلس إدارة الندوة، خلال إدارتها لجلسة الصالون، مساء أول أمس، بمشاركة الصحفي نادر مكانسي، حول المبدأ المنطقي، دون التحيز العاطفي، لما يمكن استشفافه من رواية «ثلاثية غرناطة» للروائية رضوى عاشور: هل يحل للقشتاليين تلك الوحشية التي مارسوها على المسلمين التي وصلت إلى حرق الناس، أمام مبرر إرجاعهم لأرض كانت عبر المرجعية التاريخية أرضاً إسبانية؟
بين الحروب الصلبية والفتوحات الإسلامية، وبين الفعل وردة الفعل، تنوعت آراء المشاركين في صالون القراءة الشهري، خاصة أن الروائية رضوى عاشور، تناولت حياة الناس العاديين خارج أسوار القصور، بحسب تعبير الكاتبة مريم سلطان، فإنها هنا أرادت بيان التحول الموجع للإنسان وصراعاته الداخلية.

ما قدمه المسلمون من حضارة في غرناطة أسست لتحول عميق في أوروبا لا ينبغي مجازاته بالوحشية المفرطة التي لم تراعِ الحس الإنساني في آلية تصفيتها


في سياق آخر، أوضح تمام المصري عاشور، من خلال مداخلة له في الجلسة، أنه عاش في إسبانيا نحو الـ 40 سنة، واعتبر أن من تم تعذيبهم وترحيلهم من المسلمين، هم في الأساس ذوو أصول إسبانية، وهم ليسوا من خارجها، وأن ما قدمه المسلمون من حضارة في غرناطة، أسست لتحول عميق في أوروبا، لا يمكن مجازاته بهذه الوحشية المفرطة التي لم تراعِ الحس الإنساني في آلية تصفيتها. بالمقابل لم يفعل المسلمون ذلك عند دخولهم إليها. وجاءت آراء متباينة، ترى في أن القشتاليين اعتقدوا أن استحقاقهم للأرض يمنحهم حق القتل والتخلص من جّل المظاهر الحضارية لتلك اللحظة التاريخية للعلم والعلماء والعمارة. منبهين إلى الشريان الديني وصراعاته، الذي كانت تعيشه أوروبا نفسها، أوضحها الصحافي رفعت أبو عساف في مداخلته حول الانقسام الكاثوليكي والبروتستاني ودور ما يعرف بالحروب الصليبية.
وبين كل تلك الرؤى، فإن ميزة الرواية، بحد ذاتها، أن تضع القارئ أمام نفسه، وتجعله يسأل نفسه تلك الأسئلة، على مستوى ممارساته اليومية، فالعملية برمتها تبدأ باختلاف بسيط بينك وبين أقرب الناس لك، والإقصائية تبدأ بفعل سطحي مبطن، وتلاشيه يقوم على قدرتك الفعلية لـ «قبول» المختلف.
وصفت الكاتبة عائشة سلطان، الرواية برتمها البطيء الذي يخلو من المشهد المغري المتسارع، ومع ذلك لم تمنع القراء من استكمالها حتى آخر نفس، حيث حصدت الرواية مكانتها من بين أهم الروايات العربية، بينما وصف الصحافي نادر مكانسي، لغة الرواية، باعتبارها صورا سينمائية جميلة، تحمل تفاصيل دقيقة جداً، جاهزة لأن تحول إلى فيلم. وأعرب الكثير من المشاركين في الندوة، عند دهشتهم بما أقدمت عليه الروائية رضوى عاشور، من توثيق للمكان، رغم أنها لم تعش في إسبانيا، ما يدل على ملكة إبداعية فريدة.